قبل أيام تواصل معي صديق يسألني مستفسرا مؤنبا عن الجدوى من المشاركة في لقاء السيد رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون بالجالية الجزائرية بمناسبة زيارة الدولة لهذا البلد المضياف الكريم والتي دامت ثلاثة أيام، شهدت فيها السلطنة أجواء احتفالية خاصة، نظرا للمكانة التي تحظى بها الجزائر فيها، ووقع رئيسنا والسلطان هيثم بن طارق وطاقم الوزراء من البلدين اتفاقيات هامة في مجالات حيوية كالطاقة والتعليم العالي والثقافة، وتمت مباحثات على بعض الملفات الدولية الكبرى على رأسها الحرب على غزة نصرها الله.
أخبرت صديقي أني قررت المشاركة دون تردد بعد دعوة كريمة من سفارتنا الموقرة في مسقط، وما تعتبره نقدا مني وتذمرا على أوضاع البلد بشكل مباشر أو عن طريق الكتابات هو حقيقي وواقعي لدي ولدى كل الشعب الجزائري دون استثناء، كما أنه شأن داخلي وطني نتحدث عنه ونتناقش فيه بيننا كأبناء الوطن الواحد، أما وقد زارنا الرئيس في سلطنة عمان، فهو يحظى مني بالتقدير والاحترام كمنصب ورمز لسيادة وطني، وقد عانينا خاصة نحن المغتربون من حقبة الرئيس المقعد الغائب الحاضر كصورة في إطار، ومن اللؤم أن ينشر إنسان غسيل بيته في شرفات غيره، أو يشرك طرفا آخر لا علاقة له ولا شأن في قضية عائلية لينال من أخيه، لا هي أخلاقنا، ولا هي قيمنا التي تربينا ونشأنا عليها.
تأتي زيارة الرئيس ونحن على مشارف مناسبة نوفمبر المجيدة، وهو الشهر الذي نتشارك فيه مع سلطنة عمان في المناسبات الوطنية، هم يحتفلون بعيد النهضة المباركة التي أسسها السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله يوم 18 نوفمبر عام 1970م، فماذا تشكل لنا مناسبة الفاتح من نوفمبر نحن جيل الاستقلال وماذا تشكل أيضا لجيل الألفية؟
الأصل أن تشكل مناسبة الفاتح من نوفمبر نقطة ارتكاز ومحطة مرجعية في تاريخ وطننا، تجسد المبادئ والقيم الأصيلة التي ضحى من أجلها الشهداء والمجاهدون المخلصون، حيث كانت هذه المبادئ الراسخة منذ ولادتها تهدف إلى استرجاع وطننا المنهوب من مخالب الاستعمار الفرنسي، واستعادة حريتنا المسلوبة وكرامتنا المهدورة وحقوقنا المهضومة، وقد تحقق هذا فعلا ذات يوم.
لكن للأسف، مع مرور الزمن، أصبحت المناسبة مجرد ستار مهترئ يتخذه البعض من المسؤولين والمواطنين على حد سواء لتغطية فشلهم وعجزهم وحتى جشعهم، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه الذكرى حافزاً للتمسك بالقيم والمبادئ التي مات على إثرها الشهداء، أصبحت تُستخدم للتغطية على الممارسات العقيمة والسياسات الفاشلة التي أدت ضياع الأمل، بل إلى تسفيه تلك التضحيات في عيون الأجيال جيلا بعد جيل، حتى صارت فرنسا أحيانا ملاكا طاهرا مظلوما!
قال الإمام الثعالبي رحمه الله: “إنّ الجزائر في أحوالها عجب، ولا يدوم بها للناس مكروه، ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع، إلا ويُسر من الرحمن يتلوه”. تعكس هذه الكلمات الحكمة العميقة والروح التي يجب أن نتحلى بها كأمة، يجب أن تكون ذكريات التضحيات محفورة في قلوبنا وعقولنا، لتكون دافعاً لاستمرار العمل والبناء لمستقبل أفضل.
هذه المناسبة التي ألهمت الشعوب على مر التاريخ فرصة ذهبية لنا كل عام لتجديد العهد على الوفاء لدماء الشهداء ولتضحياتهم، أن نسعى جميعاً للعمل الجاد المخلص بالأفكار التي تحركنا نحو الفعل السديد، لا مجرد شعارات وتصاميم واستعراض لأنفة زائدة أو إنجازات وهمية لا أثر لها في أرض الواقع.
ختاما أهنئ أبناء وطني بعيد الثورة المجيد، وأدعو الجميع لتصحيح المسار وتعديل الانحراف عن جادة الطريق نحو وطن تسوده قيم العدالة الاجتماعية وتنمو فيه الأفكار الأصيلة ويزدهر الإبداع، ويتوقف نزيف الهجرة دون هدف ولا مقصد، وطن يليق بسمعته التاريخية ويمنح للأجيال أملا.. والأمل أغلى مطلب لتحقيق الأهداف والوصول لبر الأمان.