في الأسفار وفي بلدان يصطلح بتسميتها “أوطان” تجمعنا أحاديث وجلسات سمر وسهر عنوانها الأبرز المقارنة بين ظروف الحياة هنا وهناك، مقارنات تبنى على استحضار الأمثلة والحظوات المادية غالبا، يرى من يرى فيها إلى مستوى الخدمات المجانية المتاحة ولو على حساب الجودة والوعود المقدمة، حتى يخيل لمن يتذمر من الظروف فيها بأنه فد كفر نعمة وخان عهدا، يتصور نفسه لوهله بأنه ناكر للجميل، لا يستحق تلك العظام المقدمة له من حين لآخر ليصمت قليلا.

من جهة أخرى توصف بلدان متطورة بالعنصرية، ويتفنن من يعيش في وحل حفرة لا يجد فيها أبسط حقوقه التي تعاقد فيها معه من انتخبهم رغما عنه، وأخرى يهدم أي إنجاز لها بسبب أن من حقق لها تلك المكانة هم خبراء أجانب بفضل الأموال الطائلة الغزيرة فقط.

الرضا بالجحيم والقبول بمصير موبوء ووصف كل ذلك وتبريره بالدين والمعاني الغيبية، تكريس للمزيد من الغربة رغم العيش في الوطن، غربة افتراضية ترمي بمجتمعات وأجيال بأكملها خارج الزمن، يعتقدون أنهم لم يخلقوا إلا للمتاعب وعيش الضنك ولا يستحقون غيرها، يكذبون على أنفسهم براحة البال وهم لا يأمنون جانبهم لساعة من الزمن.

أمم بأكملها مسجونة في زنزانة تاريخ -جزء معتبر منه مزيف-، تستنجد به كلما أصيب أنفها، تعبد سجانيها وتتملق لهم وتبرر لهم، تستيقظ على الفزع، وتنام على القهر، لا تشعر بذلك أحيانا فالأمر تعدى العادة وصار حالة ذهنية مخدرة ملازمة، أسوأ ثلاثية اكتشفتها البشرية وأساء المتخلفون استخدامها: السياسة… الانتخابات… الحقوق!