عندما كنت صغيرا أذكر جيدا تلك الومضة الإعلانية التي تمر في القنوات العربية بأسلوبها الجذاب والإيقاع المرح السريع حول السياحة في ماليزيا وانطبع ذلك الشعار في ذهني منذ تلك اللحظات، ماليزيا… حقيقة آسيا.

وفي يوم من أيام الصبا كذلك وأنا مع أبي الحبيب دخل مكتبه صديق له فاستقبله استقبالا خاصا ولما سأله عن غيابه مؤخرا قال له إنه كان في ماليزيا، بعدها كانت اللقاءات مع من زارها، من طلبة وأساتذة وتجار، الكل له وجهة نظره والكل يحكي بخلفيات مشاهدته، هنا تساءلت عن سر هذه المدينة التي تفرض على زوارها تلك الحيرة فلا تفصح لهم عن وجه واحد وإنما تفضل التنوع والتلون.

ازدادت المدينة حفرا في مخيلتي، وفي كل موقف تذكر فيه ماليزيا كان تتعزز كوجهة مأمولة أتوق لأن أقصدها يوما حين تتوفر الظروف والأسباب، إلى أن اقترب اليوم الموعود، وقمت كعادتي في الأسفار بالبحث حولها، والاقتراب ولو افتراضيا منها، فوجدتها غزيرة ثرية مكتزة بالأسرار والمفارقات والمغامرات وأنا لا أزال في شاطئ البحث لم أغص للأعماق بعد.

هي دولة مفتوحة الحدود يمكن السفر إليها دون تأشيرة من عدة دول من بينها الجزائر، تجتذب إليها كل أصناف المسافرين تقريبا سواء من يهوى السياحة أو ينوى مواصلة الدراسات العليا أو يفكر في الاستثمار والعمل، تتوفر على الكثير من الخيارات في كل تلك المجالات، وتنافس بها في أعلى المستويات، فضلا عن توفرها على مستلزمات الدولة الحديثة ومحافظتها على موروثها الاجتماعي والعمراني، فالثقافات هناك كثيرة، ولكل منها خصوصيات وتفاصيل ومزايا وحتى محاذير.

في السياحة تعتبر ماليزيا وجهة خاصة بجزرها الساحرة ومزارع الشاي الشاسعة وغابات زيت النخيل، وقد منح لها جوّها الاستوائي المعتدل ميزة خاصة، تجعل شواطئها ومنتجعاتها وجزرها وغاباتها متاحة طيلة العام، هي قبلة المؤتمرات أيضا والرحلات السنوية للشركات والمخيمات الشبابية والإجازات الأسرية، ولكل هذا نجد الوسائل متوفرة من أدنى إلى إرقى المستويات، لكن هناك عامل جذب آخر أراه مهما هو استثمار ماليزيا في حاجة المسلمين خصوصا وإطلاق عروض سياحية تحت مفهوم “السياحة الحلال” كما في الأطعمة والبنوك ومواد التجميل.

هذه الصيغة التي تطلق على المنتجات في ماليزيا بقدر ما ضبطت الكثير من الأمور في سياق الاستهلاك، بناء على التنوع العرقي والديني للدولة، إلا أنها لم تسلم من الاستغلال التجاري، فصارت بعض المنظمات تتاجر في “شهادة الحلال” دون تأكد ولا معايير سوى المال، مما أثر سلبا في الثقة بهذا المنحى الذي استبشر به المسلمون كثيرا في البداية وظنوا أنه الخلاص لإشكالاتهم مع الغذاء والمال وباقي المنتجات.

رأيي في ماليزيا بعدما حظيت بزيارتها أكثر من مرة، قد يكون مخالفا للمتوقع، ومغايرا لما كنت أعلق عليها من الآمال، لأقل بكل صراحة إنه كان مخيبا، خاصة بعد اكتشاف الكثير من الزيف والبريق والمظاهر غير الحقيقية، بعيدا عن أبراج بتروناس وأضواء ناطحات السحاب فيها وشتان بين من رأى ومن سمع، هي دولة احترمتها وأحترمها كثيرا في نهضتها وانتقالها من مستوى لآخر بفضل قائدها الفذ الدكتور الطبيب محمد مهاتير، لكن هناك الكثير مما يمكن الحديث عنه في سياق النقد في استغلال الإسلام وسذاجة الكثير من المسلمين لتحقيق مكاسب تجارية اقتصادية، من يدري ربما سأنشر المزيد عن هذا في مدونتي ذات يوم إذا سنحت الفرصة.