كتاب ممتع كنت قد سمعت عنه ولمحته قبل سنوات، ونصحني أكثر من صديق بقراءته، إلى أن أضفته “افتراضيا” لقائمة الكتب التي ينبغي عليّ قراءتها، ثم حانت الفرصة لأغوص فيه في إحدى سفرياتي، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أطوي صفحته الأخيرة.

أسلوب الكاتب شيق، وأفكاره مستفزة لعقل لأي إنسان تعامل ويتعامل في يومياته مع غيره، ممن يحمل معهم نفس الانتماء أو من يخالفونه أغلب أفكاره ومعتقداته وقناعاته، فضلا عن فهم الآخر بكل أبعاده، وبكل ما تحمله الكلمة من معاني ومفاهيم، انتهج فيه أسلوب النقد ورفع من وتيرته لدرجة عالية تجعل القارئ نفسه يستنفر ملكات النقد لديه ليوجهها نحو أفكار الكتاب نفسه.

عالج الكاتب حمودة إسماعيلي عدة إشكالات اجتماعية وأسّس لها نفسيا وما قد يتراكم لدى من الإنسان من رواسب أفكار سابقة استمدها من مخياله الاجتماعي للحكم على من حوله، خاصة من يختلفون عنه فكريا ودينيا، ويبعدون عنه مسافات طويلة جسدا وجغرافيا، هؤلاء عادة ما يأخذون نصيبهم من الكره والحقد أو الإعجاب والانبهار بكل سخاء، بعيدا عن النظرة الواقعية التي ينبغي أن تكون.

في الكتاب نظرة فلسفية عميقة حول الذات تمركزا، وارتماء في الآخر، غاص في عدة معاني قد نقرأها باستسلام وقد نقاومها، وهكذا هي الكتابات الوجدانية وما يلامس شغاف القلب ويداهنه ويحاكمه ويضعه في مواجهة الحقيقة وما قد لا يستسيغه أو لنقل ما لم يألفه.

أمثال هذه الكتب تقرأ في جلسات قصيرة، إلا أنها تترك أثرا وجدلا داخليا لدى قارئها لفترة معينة، قد تطول أو تقصر وفق الحالة الوجدانية الذهنية التي يعيشها في تلك اللحظات، بين من هو مقبل على أولى علاقاته الإنسانية، وبين من خرج من صدمة عاطفية، بين من هو في رحلة البحث عن ذاته وإنكار تقاليده ومجتمعه، وبين من هو في طريق العودة، بين شخص يملك شبكة علاقات محدودة، وآخر خاض التجارب والأسفار وعاش عمرا طويلا مع مختلف الأجناس والأطياف.

أنصح بقراءة الكتاب بعقل منفتح وروح ناقدة ونفس متقبلة لما قد تراه جديدا أو غير مألوف، لكن دائما دون انبهار مطلق ولا إنكار مطبق.