تشهد سلطنة عمان طيلة شهر نوفمبر كل عام أجواء جميلة من البهجة والاحتفال رسميا وشعبيا بمناسبة العيد الوطني، الموافق ليوم 18 نوفمبر في ذكراه الثاني والخمسين، وهي احتفالات تبدو مظاهرها جلية في المدارس بإقامة الحفلات، وفي السيارات والشوارع والحارات وعلى شرفات البيوت والعمارات بتعليق الأضواء والأعلام واللافتات، وفي المحلات التجارية الصغيرة منها والمراكز التجارية الكبرى بالعروض التجارية الخاصة، فضلا عن المنصات الافتراضية كتويتر وإنستغرام.
كما تعتبر مناسبة لتجديد العهد بين المواطن العماني وأرضه ووطنه وحاكمه، للمزيد من الازدهار والعمل على نموه وتطوره ليواكب العصر ويحقق النهضة المأمولة، إذ تشهد المناسبة دائما مراسيم سلطانية وقرارات جديدة وإعفاءات وتحفيزات ينتظرها الشعب بكل اهتمام وتشوق.
في هذه المقالة أستسمحكم أحبابي وأصدقائي العمانيين لأتوجه إليكم ببعض النصائح التي لا تخفى عليكم، إلا أني كمقيم بينكم أنعم بخيرات بلدكم وأحظى بإحسانكم، أرى من واجبي الإسهام بما قد ينفعكم ويحقق مصلحتكم ومصلحة البلد وأنتم أدرى بها مني، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وفي خمس نقاط أقول:
- أتوجه بداية بالتهاني الخالصة لكم أبناء سلطنة عمان، تهاني كثيرة على المناسبة السعيدة، على نعمة الأمن التي تنعمون بها وقد فقدها الكثير، على رقي أخلاقكم وكرم ضيافتكم، على طيبتكم وإحسانكم، هي مشاعر عفوية صادقة يشترك فيها معي كل من زاركم أو أقام بينكم، ولم يكن هذا المستوى الرفيع الذي أنتم فيه إلا نتيجة منظومة تربوية أسرية عريقة أصيلة، حافظوا عليها وتمسكوا بها بالنواجد، ولا شيء أغلى من السمعة الطيبة، ولا شيء أسهل من فقدها.
- بلدكم نعمة ومنحة ربانية بين أيديكم، أرض سخية خصبة بإنسانها وخيراتها، ببحرها ومحيطها، بجبالها وسهولها، بيدكم تطورها ونموها، بسواعدكم أنتم أبناء الوطن، ومن تثقون فيهم من الكفاءات الأجنبية التي حطت رحالها عندكم كخيار أو اضطرار، وكل بلد في العالم قد تطور إلا وبصمة أبنائه وتناغمهم وتعاونهم مع غيرهم هو المحرك الأساس، والسبب الرئيس لتحقيق الازدهار.
- لا شك أن التجارب التي حولكم من دول الجوار تغري بعضكم، وأحيانا تسبب حتى نوعا من جلد الذات، وحالة ذهنية منهزمة، وبين هذا وذاك، فإن الفرصة مواتية لكم لتنحوا نحوها، وتحذوا حذوها، لكن بنموذجكم المتفرد دون تقليد مخل، وبطريقتكم الذاتية دون انبهار واستلاب، ولكم فيها الكثير مما يمكن الاقتداء به حتى تبلغوا تلك النتائج الطموحة بما يحقق طموحكم، مع المحافظة على المبادئ والجذور، والتنويع والإبداع في الآليات والوسائل.
- لا يتحقق تطور الحضارات والدول إلا برافدين مهمين أساسيين، هما حكمة الكبار وحنكتهم، وشغف الشباب واندفاعهم، ولا نجاح بأحدهما دون الآخر، وفي هذا البلد كل المقومات لبلوغ المراتب المتقدمة في مختلف المؤشرات الدولية، إن أدرك الجميع مسؤوليتهم ودورهم دون إقصاء ولا انفراد، والكل يشهد بحكمة كباركم وبعد نظرهم، ولا شك أن هؤلاء الكبار قد أنجبوا شبابا مبدعا يعتمد عليه.
- نصيحتي الأخيرة لكم أن تبرزوا وجه عمان الحضاري التاريخي أكثر، وتصدحوا بقيمكم النبيلة ورصيدكم الثقافي، من خلال السياحة دون ابتذال، والانفتاح الذكي بالبحث العلمي واستقبال الطلبة الأجانب في الجامعات مثلما ترسلون البعثات لأرقى الجامعات العالمية، وتنظيم الفعاليات العالمية، وهذا مما يصنع القوة الناعمة والنفوذ الحقيقي ويعرف بالبلد ويجعلها قبلة ومزارا ومقصدا ثقافيا واقتصاديا، وكل من زاركم يدرك كم ظلمتم أنفسكم إعلاميا، ومن أحبكم بإخلاص سوف يعتب عليكم ويقدم لكم هذه النصيحة.
هي ملاحظات وانطباعات ونصائح بعيون جزائرية، تقبلوها مني هدية لكم بمناسبة عيدكم الوطني المجيد 52، وأسأل الله أن يحفظكم ويرحم السلطان قابوس بن سعيد، ويحفظ السلطان هيثم بن طارق وكل المخلصين الطيبين في هذه الدولة الطيبة الكريمة.