تبعا للمقالة السابقة، سأواصل الكتابة عن أهم ما شد انتباهي في مونديال قطر، وهذه المرة أحكي عن الاستقبال وظروف الاستضافة ابتداء من مطار حمد الدولي إلى شوارع المدينة والساحات والملاعب، وفي كل منها مشاهد جميلة، وذكريات خالدة تروى، أجواء تميزت بالسلاسة والانسياب، لعل أجملها العبارة الشهيرة في أرجاء الدوحة “مترو.. ذيس واي” أي “محطة المترو في هذا الاتجاه”، والتي تفنن فيها بطرافة ومرح من يقوم بمهمة التوجيه وفي يده قفاز ورقي ضخم “على شكل يد” تفاعل معها الجمهور كثيرا.
كانت الرحلة جوا من مسقط إلى الدوحة، في حوالي ساعة وبضع دقائق، وقد حظيت بتذكرة سفر من أحد الأكارم حفظه الله، مستفيدا من باقة عروض كأس العالم من شركة الطيران العماني، ومنذ مطار مسقط بدأت أجواء المونديال بتخصيص رواق للمسافرين إلى الدوحة مكتوب في لافتته: رحلات كأس العالم، مرت الإجراءات سريعة خفيفة، وماهي سوى لحظات حتى رأينا أضواء أبراج الدوحة المتلألئة. الدخول إلى قطر كان بشرط الحصول على بطاقة هيّا Hayya Card، وهي بمثابة الفيزا، والتذكرة لركوب الحافلات والمترو، والدخول إلى مناطق المشجعين، فضلا عن كونها شرطا لدخول الملاعب بالإضافة لتذاكر المباريات.
في مطار حمد الدولي كانت الحركة منتعشة بكل مظاهر الاحتفال والفرح، استذكرت حينها لحظات صعبة قبل سنوات كنت هناك عابرا في رحلة ترانزيت إلى الجزائر، وقد كان أول يوم من الحصار على قطر عام 2017، الجو كئيب، والوجوه محتارة هائمة، سكون مريب عمّ أرجاء المطار، لا أحد يعلم إلى أين تؤول الأمور وسط الشائعات والأصداء، فسبحان مغير الأحوال، والحمد لله على عودة المياه لمجاريها.
هي بضع دقائق فقط أتممنا إجراءات الدخول، اللافتات والملصقات في كل مكان تتكلم لغة واحدة هي المونديال، والشعار هو: عالوعد Now is All، نظرت إلى شاشة الرحلات فخيّل لي أن العالم كله في قطر، العواصم وأشهر المدن موجودة هناك، وأمامها إشارة إلى وصول الرحلة، اختار المسافرون هذه المرة الدوحة كوجهة نهائية وليست مجرد محطة عبور كما هو المألوف، الأعلام والأوشحة تفصح عن هوية المشجعين، تعلو منهم الهتافات بلغاتهم، وكلهم أمل في تحقيق فريقهم الوطني نتيجة ترضيهم، سواء كانوا مرشحين، أو ممن يطمح في إحداث المفاجأة حين مقارعة الكبار.
في باحة القادمين للدوحة، يتم الاستقبال، بين من جاء بدعوة رسمية من الفيفا، يجد اسمه مكتوبا في لافتة يحملها أحد الموظفين، ومن جاء بدعوة خاصة VIP من إحدى الشركات أو المنظمات، ومن كان حجزه في فندق فاخر كذلك لهم خدمات التوصيل من المطار، ومن له أحد الأصدقاء أو الأقارب قد استضافه أيام المونديال، ثم باقي الجمهور ممن يجد متطوعين في انتظاره لإرشاده إلى وجهته عن طريق المترو أو الحافلات التي تنتظر في مخارج المطار لتنقله مجانا، وشركات الاتصالات حاضرة بموظفيها أيضا في المطار، أوريدو وفودافون، يستقبلون المشجعين حاملي بطاقة هيّا، يمنحونهم شرائح هاتفية ورصيد بيانات ومكالمات مجانية لاستخدامها في يومين، ثم بعدها يمكن شحنها حسب الحاجة.
الجو في الدوحة هذه الأيام لطيف جدا تتراوح درجة الحرارة بين 18 و 26 درجة مئوية تقريبا، وهي أجمل أوقات السنة في دول الخليج عموما، لذا فاختيار هذا الموسم استثناء لاستضافة المونديال عوض الصيف جاء اعتبارا لمناخ الخليج، رغم العمل على تكييف الملاعب وحتى بعض الشوارع بتكنولوجيا متطورة جدا حازت عدة جوائز وبراءات اختراع.
هكذا يجد المشجع نفسه في جو دافئ من الاستقبال، لم يعهده ربما في كل نسخ المونديال السابقة، الإبداع في كل مكان، والاهتمام بالتفاصيل سمة بارزة عند القائمين على هذا الحدث العالمي، والاحترافية في التنظيم أخذت أبعادا ومستويات عالية في الأداء، قد تختلف نظراتنا لها كل حسب خلفياته وزاوية تخصصه وتحيزاته، ولكن المتفق عليه ممن نزل أرض الدوحة ضيفا هذه الأيام أن الكرم القطري فاق التوقعات، والأجواء المونديالية مسحت الكثير من الدموع، وأزاحت الكثير من ضيق السنوات الماضية أيام كورونا والإغلاق والحجر المنزلي وتحجيم حرية الإنسان وتقييد حركاته وتحركاته.
… يتبع