شارفت فعاليات المونديال على الختام، بما حمل من مفاجآت ولحظات خاصة، سواء في الميدان، أو مدرجات الملعب، أو خارجه، شاهدنا متعة كرة القدم وروعة الأهداف، اكتشفنا مواهب جديدة على مستوى اللاعبين وكذا المدربين، رأينا دموع المودعين من اللاعبين ومتابعيهم، أبدعت قطر في تسيير هذا الحدث العالمي بدقة وسايرت الكثير من التحديات والمنعرجات بحكمة بالغة، فحق لها أن تكون المتوج الأول في كأس العالم بحسن ضيافتها وقوة أدائها، ولو خيب فريقها الآمال في أرضية الميدان بثلاث هزائم وهدف وحيد.

في ظل هذه الأجواء الحماسية لازال الكثير من الجزائريين يعيشون حسرة عدم التأهل، ويتجرعون غصة الإقصاء في الثواني الأخيرة من مقابلة الكاميرون، لا زالت تلك الخيبة في تضييع فرصة الحضور بين الكبار ماثلة في الحوارات واللقاءات، بل بلغ بهم الأمر للحضور بقوة في المونديال بالأعلام والتشجيع مثلهم مثل أي فريق متأهل للمونديال، شاهدناهم في شوارع الدوحة وساحاتها، وفي الملاعب، ورأينا ذلك التشفي في هزيمة الكاميرون وإقصائها، حتى بلغ الأمر مستويات متقدمة أثارت استغراب الكثير من الجماهير الأخرى، فهل يعتبر هذا الأمر صحيا؟

شخصيا لم أستسغ الأمر، وتأسفت كثيرا لذلك الشحن والتوظيف السياسي الذي حدث منذ نهاية المباراة الفاصلة، حتى صار الحزن هيستيريا، مع تعليق آمال في السراب عن إمكانية إعادة المباراة بحملات قادها بعض التافهين، وهذا ما ولد شعورا بكون العالم كله سيتعاطف معنا ويترك أعماله وأشغاله جانبا لينضم لصفوف المنددين المطالبين بحق هذا الشعب المظلوم، ولّد ذلك شعورا مرضيا بكون القضية محورية ومركزية رغم أنها في نظر الكثير من الجزائريين أنفسهم قد صارت من الماضي، وطويت كما طوي الكثير قبلها.

وصل الحماس بنسبة معتبرة من الجماهير إلى اعتبار عدم حضور الجزائر في المونديال سيؤثر فيه سلبا، وسيكون مآله الفشل، ولكن بعدما انطلقت فعالياته اكتشفنا أننا مجرد جمهور بين الجماهير، شعب بين الشعوب، فريق ضمن الفرق، ورغم كل ذلك إلا أن الظاهرة الغريبة كانت في ملاحقة الميكروفونات للإدلاء بتصريحات الشكوى والوعيد، حتى بلغ الحال أن يعتبر الأمر حربا يخوضونها لجلب حق الجزائريين، وهذا ما سبب معاناة كبيرة للقنوات ومراسليها خاصة عندما يكون البث مباشرا، خوفا من أية مفاجأة أو خروج عن النص.

من ناحية الجماهير وحماسهم، لم أر أكبر وأبدع من جماهير فرق أمريكا اللاتينية كالمكسيك والأرجنتين والبرازيل، كما للجمهور السعودي لمسته الخاصة وحضوره الكبير نظرا لقربه الجغرافي من قطر، خصوصا بعد الفوز على الأرجنتين حينها ارتفعت الآمال وزاد سقف الطموح علوا وطموحا، وعندما تجاوزت المغرب الدور الأول في صدارة مجموعتها، كان لجمهورها كذلك حضوره النوعي القوي، وانضم إليهم الجميع مشجعا مساندا، ولا نتصور المونديال دون حضور جماهيري يضيف له نكهة خاصة، حيث توزعوا بين الملاعب ومناطق المشجعين ومختلف الفعاليات المنظمة في قطر.

أملي أن تنتهي قصة خيبة عدم حضور المونديال سريعا، ويلملم الفريق نفسه ليستعد لقادم المنافسات، على الجميع أن ينظروا إلى الأمام مستخلصين العبر والدروس من الأخطاء التي حدثت، لا يعقل أن نحمّل الحكم مسؤولية كل شيء، ومن تمام الضعف أن نرهن مصير عمل أربع سنوات في خطأ شخص واحد، ويتبخر الحلم في بضع ثواني، وفي هذا تقزيم للجهود وتضليل للجمهور، المونديال سينتهي كما انتهى ما سبقه، ولا تبقى إلا الذكريات والإنجازات.

أهنئ الفريق المغربي على أدائه المبهر، واستمراره في تحطيم الأرقام القياسية والمراتب التي تحقق لأول مرة عربيا وأفريقيا، ومن خلفها تحطيم الكثير من الصور النمطية المسبقة، فريق أطاح ببلجيكا وإسبانيا والبرتغال، لن يكون بعدها حلم التتويج بالكأس ضربا من الخيال، وتهنئتي الخاصة للمدرب وليد الركراكري الذي يذكرني بشخصية جمال بلماضي مع الفريق الوطني قبل 4 سنوات، ولا أجمل من الكفاءات الوطنية حين تمنح الثقة وتوفر لها الظروف المناسبة.

أشكر كل من التقيت بهم في الدوحة وتساءلوا وتعاطفوا مع المنتخب الجزائري وتأسفوا لعدم حضوره بنجومه مثل محرز وبن ناصر الأكثر طلبا عندهم، وأحيي بالخصوص “البيت السعودي” على كورنيش الدوحة، والذي كان لنا ملاذا لمشاهدة المباريات عوض الملاعب، وجدنا هناك كل ترحيب وإكرام بالتمر والشيكولاطة، وبالأجواء الحماسية الجميلة، وأحيي دولة قطر على تيسير الدخول إليها ومنح فرصة مشاهدة المونديال لمقيمي دول مجلس التعاون الخليجي دون اشتراط الحصول على بطاقة هيّا.