ربما لم يكن ضمن خططي أن أضيف للمنشور السابق جزءا ثانيا، لولا بعض الردود والتعليقات وحتى بعض المراسلات على الخاص مما يستوجب المزيد من التوضيح ورفع اللبس عن بعض الأفكار الواردة، خصوصا العنوان الذي أثار حفيظة البعض وربطه بي شخصيا، وكلنا يدرك آفة التسرع في زمن القراءة السريعة والخلفيات المسبقة.

من حق القارئ أن يستحضر سياقه وبيئته التي يعيشها في قراءة أي نص، وقد أبرر ذلك انطلاقا لكن حينما يعبر النص عن خلاف ذلك ما عليه سوى ترك توقعاته جانبا والنظر للموضوع بعين أكثر تجردا وأفق أكثر اتساعا ورؤية أكثر مسافة مما حوله، ومن هنا فالأسرة التي نقلت عنها طلبها بالبحث عن وطن بديل ليست جزائرية وإنما من بلاد أخرى أنهكتها الحرب ودمرتها، وليس الأمر متعلقا بإخواننا في غزة كذلك فرج الله عنهم ونصرهم.

حينما قلت إن الهجرة قرار شخصي كان هناك من فسر الأمر بالميل للفردانية والتفكير الأناني، وسرد بعض التوصيات الأقرب للمواعظ الجاهزة بالصبر وعدم الانجرار نحو تحقيق الأحلام الشخصية على حساب الأسرة والمجتمع، وإن سلمت جدلا أن فيما ذهب إليه جزء من الصواب لكن دائما هناك محذور من الوقوع في فخ الوصاية على الناس ومحاكمتهم بالأفكار التي نتبناها الآن، وحين تتغير القناعة نلزم بها غيرنا كذلك، وأخطر ما يصاب به الإنسان إن وضع نفسه في مركز الكون ولبس قناع القطعيات ونفى الشك عن كل شيء..

أحاول فيما أحاول دائما عدم السقوط في الثنائيات وتصنيف المعنيين بما أكتب كفريقين متضاربين متناحرين، كما حدث في النص بين المهاجرين ومن يقدس فكرة الأرض والانتماء، ولو أننا نسبيا كلنا مهاجرون باعتبارات أخرى غير التي نحتكم إليها، والإنصاف يحتم أن نقدم احتمال الجهل بالأمر على اعتقاد العلم فيه، خاصة ما لم نطلع عليه ولم نجربه حقيقة بل فقط روي لنا أو سمعنا عنه.

لا يسعني إلا أن أنصح نفسي وكل قارئ أن يحمد الله حمدا كثيرا إن كان يعيش لحظة أمن بين أهله، وهي نعمة عظيمة فقدها غيره، وأنصح مرات ومرات بالرفق والتفهم والتماس العذر قبل الحكم على أي مهاجر هجرة دائمة أو مغترب مؤقتا، فإن وراء كل منهم دوافع وظروف وقصة ورحلة مرهقة تزداد تعقيدا كلما تقدم صاحبها في العمر وكانت له زوجة وأبناء والأقسى من ذلك والدان يبكيان فراقه في وطنه.. هي تضحيات وابتلاء عظيم ومخاض قد يخفي وراءه قصة نجاح خالدة أو نكبة ومأساة لا قدر الله.

أعتقد دائما أن كل اتصال من صاحب حاجة هي رسالة ربانية واختبار وفرصة للمزيد من فهم خبايا هذه الحياة المعقدة، وإن يسرك الله للخير فهي منة وهبة عظيمة منه، هي مسؤولية وتكليف.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.