من خلال عملي في مجال خدمات المستثمرين أستقبل يوميا عددا معتبرا من الطلبات والمراسلات من عدة دول وقوميات، عبر رقم العمل، والرقم الشخصي (من نشره في مجموعات ميسنجر مؤخرا ربي يهديه!)، وفي ثنايا هذه المراسلات قصص وآلام وآمال وأحلام وظروف وعبر تنوء بحملها الجبال..
من أقسى العبارات التي تضمنتها إحدى المراسلات المطولة “سيدي الكريم.. نحن أسرة نبحث عن وطن بديل!” الأب دكتور محترم في إحدى الجامعات في بلده، والأم ربة بيت، تحت مسؤوليتها ستة من الأبناء والبنات، انقلبت الدنيا عليهم وساءت الحال وضاقت الظروف، لم تكن معاناتهم مادية ولا يعانون من قلة المال، إلا أنهم افتقدوا الأمن والأمان.
بحكم العمل والتعود والإلف لا تؤثر مثل هذه الرسائل غالبا في عواطفي، وأتعامل معها بمهنية مجردة تحقق مصلحة السائل لا مصلحتي، تعامل حازم لا يخلو من النصح ومحاولة التوجيه لأفضل خيار وقرار قبل صرف المبالغ وإنفاقها في إجراءات إدارية غير مجدية، وهو ما تفتقده الكثير من المكاتب التي تستغل الأزمات ولا تبالي بحالة المحتاج بعد أن تحاصره في الزاوية وتجرده من أمواله تحت مسميات لطيفة أحيانا، أو ترمي به في متاهة لا يمكنه الالتفات فيها للوراء ولا العودة من حيث بدأ، أو إيقاف النزيف على الأقل، مأزق لا يمكن الخروج منه إلا بدفع المزيد والمزيد من الأموال..
موضوع الهجرة وتغيير الأوطان بمبدأ حرق السفن والقسم على اللاعودة صار واقعا جليا يزداد حدة من يوم لآخر، فلم يعد حكرا على الشباب الصغار أصحاب الطموحات الكبيرة والشغف العالي لحياة أفضل، بل أصبح مسارا للعائلات وأصحاب الدخل المرتفع والمتقاعدين المسنين، لأسباب كثيرة لا يسع المقام لذكر تفاصيلها، إلا أن السبب المشترك هو البحث عن وجهة جديدة لحياة أفضل..
يحدث هذا أمام تغير سياسات دول في التعامل مع المواطنين والأجانب بين مرحبة وطاردة، بين بيئات بدأت ترحب في فترة سابقة ثم تغير الوضع فيها بصعود يمين أو يسار متطرف، مما ولد أزمات اقتصادية واجتماعية وظهور تطرف فكري مبتذل للقيم الإنسانية، فضلا عن البهرجة والإبهار الذي تتسم به بعض الوجهات العالمية تسويقيا في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تصور نفسها زورا بالفردوس والحياة المثالية..
لست هنا متحدثا باسم أحد، ولا يحق لي أن أقرر مكان أحد، سواء ممن اختار الهجرة أو من قرر البقاء في بيئته وبين أهله، لا يوجد صواب أو خطأ هنا، إنما هي ظروف تتفاوت بين الكماليات والضروريات، ودوافع تختلف بين ماهو مجرد بحث عن رفاهية إضافية، أو هروب من ظروف حرب قاسية يرى فيها الموت في كل لحظة..
يبقى سؤالي المحير.. هل حقا يمكننا البحث والعثور على وطن بديل؟