مبدأ المشاركة وتمرير المعلومة من أفضل ما يمكن للمجتمعات أن تتطور به وترتقي، فهي ذهنية فرضت نفسها في عصرنا بعدما كبرت الأفكار وفاقت حدود إنجازها قدرة الأفراد إلى الهيئات والمؤسسات، فمن فضائل الأخلاق أن يفيد الإنسان غيره مما علمه الله من تجارب في الحياة، مستهدفا التحسين والتطوير للبشرية.
TED فكرة بزغت يوما ما عام 1984 في قرية مونتري بولاية كاليفورنيا الأمريكية، على يد ريتشارد ويرمان (Richard Wurman) وهاري ماركس (Harry Marks)، واﻵن صارت مؤتمرا تستضيفه مؤسسة كريس أندرسون (Chris Anderson) غير الربحية، ثم تطورت لحدث سنوي منذ عام 1990م، وانحصرت في ثلاث مجالات هي تشكل حروفها الاولى هي: التكنولوجيا والترفيه والتصميم (Technology. Entertainment. Design) بادئ الأمر، إذ يتبادل فيها المشاركون أفكارهم وآخر إنجازاتهم فيها، ثم بعدها توسعت الفكرة لتشمل مجالات أخرى كالفكر والاقتصاد والأعمال والبيئة والعمارة والمبادرات الخيرية… إلخ، فكانت رسالة تيد: أفكار تستحق الانتشار “Ideas worth spreading”.
ولكون الحدث أخذ أبعاده العالمية فقد استقطب عدة متحدثين من المشاهير كمؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس (Bill Gates)، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق بيل كلينتون (Bill Clinton)، وغيرهما من إعلاميين، وعلماء حاصلين على جوائز نوبل… إلخ، كما كان فرصة للكثير من المغمورين لعرض أفكارهم الملهمة مما أدى لكبرى الشركات العالمية لاحتضانها ورعايتها لتبصر النور في أرض الواقع.
وككل فكرة ناجحة في مكان ما، يصل وقت توسعها وانتشارها، خاصة إن أخذنا بعين الاعتبار ما تدعو إليه TED في رسالتها إلى مشاركة الأفكار وعدم قتلها في حيز معين، فظهر مشروع TEDx الذي هو حدث محلي يمكن تنظيمه في أي مدينة حول العالم، بشرط أن تستوفي شروط الانضمام تحت مظلة الفكرة الأم TED ببضعة معايير تتعلق بالتنظيم، فيما يترك المحتوى حرا دون قيود تذكر.
بهذا برزت أحداث TEDx كثيرة في أنحاء العالم، وبدأ نشر مقاطع فيديو منها في الإنترنت بداية من عام 2006، وتنافست لأجل ذلك عدة مدن، تمركز أغلبها في الجامعات وبتأطير من فئة الشباب، فبإمكان كل منا أن يتصفح المحاضرات المتوفرة على اليوتيوب، ليأخذ نظرة عامة حولها، منها ما جمع الطرفة مع الإبداع، ومنها ما كانت طروحات غريبة وجديدة، فالمشاهد في الأخير عليه أن يحلل ويُعمل عقله في كل رسالة جاءت فيها وفكرة، يأخذ منها ما أفاده ويرد الباقي.
لم يكن العالم العربي بعيدا عن فكرة TEDx، فقد نظم الحدث في عدة دول كانت الجزائر من بينها العام الماضي في تيدكس الجزائر العاصمة، ومن المبرمج أن يتم تنظم الكثير من النسخ في أغلب الدول العربية خلال العام الجاري.
أخذت TED أبعادا كبيرة، وتوسعت أنشطتها لتشمل عدة تصنيفات أخرى غير المؤتمرات السنوية (TED Conferences)، وأحداث تيدكس (TEDx Events)، فقد تم استحداث جائزة (TED Prize) المقدرة بـ 100.000 دولار تمنح سنويا لأكثر متحدث في تيد أطلق فكرة مفيدة ساهم بها في إحداث تغيير جذري أو تأثير قوي في العالم، أما عن (TED-Ed) فهو برنامج تعليمي يمكن لأي شخص الانضمام إليه بتسجيل مادته التعليمية عن طريق الفيديو وبثها وفق شروط معينة، مع إتاحة التعلّم والاستزادة مجانا، وكل ذلك في سبيل مشاركة المعلومات والأفكار، وغيرها من التصنيفات المتجددة باستمرار.
الفكرة ابتداء رائعة وملهمة، ولعل ما يعكسها في ديننا هو معنى الصدقة الجارية، فحري بنا أن نسارع لتجسيدها قدر المستطاع، فقط على كل منظم للحدث أن يراعي عدة نقاط أهمها الأبعاد الفكرية والدينية والاجتماعية للمدينة التي تستضيف الحدث في محتوى ما يلقيه المتحدثون من أفكار ورسائل، ولا يتم ذلك إلا بحسن اختيار المحاضرين والمشاركين، وبدراسة الحاجة والجدوى دراسة جيدة، ففي الأخير يطلب أن يكون الحدث فرصة لتنمية المهارات والمعارف، وبالتبع فضاء لمشاركة الأفكار.
قيل في الحكمة: حينما يتبادل شخصان تفاحتين يصير لكل منهما تفاحة واحدة، ولكن حينما يتبادلان فكرة، يكون لدى كل منهما فكرتين، فلنتشارك أفكارنا بهدف إثرائها ورؤيتها في أرض الواقع، والخير حين يعم لا يهم كثيرا من كان السبب بقدر ما يهم الناتج والأثر.
Comments (6)
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.حقيقة أوّل مرّة أسمع ب TED و وجدته من خلال مدوّنتك إنجازا يستحقّ التحدث عنه و السعي لتطويره و الرّائع فيه أنّه يستمدّ فكرته الأساسية من ديننا.بارك الله فيك و مزيدا من التقدم
موضوع رائع وجديد وقيم
واصل مثل هذه المواضيع
اتمنى ان يكون راقيا كما يروج له، و ان لا يحتضن امثال من احتظنهم TEDx ESI
كنت على يقين تام بأنك ستشارك لعهدي بتشجيعك لكل مبادرة طيبة..
أعتقد أنه في زمن ندرة المبادرات الجميلة كهذه فإن إنزال المقاييس والتغاضي عن بعض الأخطاء واجب لدفع فكر المبادرة بحد ذاته، بعدها التنافسية وحدها تعلي مقاييس التقييم و تخضعها للاحترافية.
شخصيا كثيرا ما تابعت TEDx كنوع من استشراف المستقبل وتتبع الجديد وهي مجال رائع للثقافة لعمومية طرحها عادة.
أتمنى أن أراك متحدثا هناك أخي جابر.
فكرة رائعة لو استغلّها المسلمون لنشر دينهم ولو استغلّها كل طموح لنتج من عرض خبرته ما يحتاج إليه العالم النحرير ولكن الرأي كالأرنب ـ كما يقال ـ لا تدري من أين يخرج. المهمّ هو استغلال الطاقات وتنميتها بالحوار وتبادل التجارب والسماع للغير لعل في كلامه الحاجة المرجوّة والجكمة ضالة المومن حيثما وجدها التقظها. فلا مجال لاحتكار المعلومة في هذا العصر
هذه الافكار تستحق ان تكتب بماء الذهب