يستقبل أي واحد منا يومه بما يسره من أخبار أو بما يحزنه ويستنزف شحنة المزاج التي رزقه الله إياها، وقد ينام ليلته على خبر محفز أو يختم يومه بموقف إيجابي ينتشي به ويغمض عينيه على أثره خشية فقده، كما قد يلجأ لفراشه بحثا عن التناسي، يستجلب الغفوة هربا وتهربا من حالة سيئة صبغت يومه أو أسبوعه أو شهره..
مستقبلاتنا كأشخاص -نتفاعل ونتعامل ونعايش- ليست نفسها، وقدرتنا على الجلَد وإخفاء الألم والمعاناة لم تكن يوما بقدر المستوى بيننا، كما أن أنظمتنا الدفاعية المناعية داخل ذواتنا مصممة بتعقيد عميق يصعب فهمه وترجمته على المختصين فما بالنا بغيرهم.. وهذا ما يجعلنا نكابر أحيانا ونتظاهر بما ليس فينا..
القاعدة الثابتة هي أننا نعيش في الحياة العابرة ونحن ملزمون على اجتياز مسارها بما يحمله من ظروف جميلة وسيئة، إيجابية وسلبية، بسيطة وصعبة، رحيمة وقاسية، وهذا ما يجعلنا دائما في حاجة لمن يخفف علينا، ويحمل عنا، ويرسم البسمة في قلوبنا، ولو مؤقتا، ولو عبورا، كما هو غيرنا في حاجة إلينا لنفعل معه ذات التصرف الذي نريده لأنفسنا..
التقنيات الحديثة أتاحت لنا الكثير مما لم يكن ممكنا فيما سبق، فصرنا نقرأ ما يرطب خواطرنا، ويؤنس وحدتنا، ويخفف الألم عنا، ويمنحها شحنة من الأمل لنتحمل أكثر.. كل ذلك الأثر الطيب قد يصيب الهدف دون علم صاحبه.. نلتقي بمن نرى فيهم شعلة من الإلهام، نلازمهم ونتابعهم، ونلاقي من يرسم لنا آفاقا بدل الأفق ويرشدنا لوجهتنا بعد أن احترنا وكدنا نيأس ونستكين..
إلى أولئك العابرين الذين يزينون حياتنا بما أوتوا.. إلى من أحسن ولا يزال.. إلى من ضحى واجتهد.. إلى من أهدى إلي حلا.. فرصة.. فرجا.. إلى المغادرين بعدما أحسنوا.. إلى الكثيرين منهم ممن نجهلهم.. أهدي شكري.. وامتناني.. واعترافي.. ولا أجمل في بذل الشكر من تمرير الإحسان بإخلاص للغير دون منّة.. مصداقا لقوله عز من قائل: “وتلك الأيام نداولها بين الناس”