حطت الطائرة أرض مطار مسقط الدولي، وعندما توقفت أمام بوابة النزول فتح الباب وبدأ المسافرون يخرجون عبر النفق إلى أن حان دوري، فقد كنت ضمن الراكبين في منتصف الطائرة، دخلنا المطار الأنيق واستقبلنا الموظفون هناك بتوجيهنا نحو مكاتب مخصصة لبدء إجراءات الفحص من فيروس كورونا، وقفنا في طوابير وانتظرت دوري مستغلا الوقت في تنزيل التطبيق الثاني “المشرف الطبي” زيادة عن التطبيق الأول “Tarassud+” الذي قمت بتنزيله من قبل في الجزائر.
وصل دوري وتمت الإجراءات الأولية وهي التسجيل في التطبيق ودفع تكاليف الفحص بعدما تعذر علي القيام بذلك آليا، ثم بعدها مررت بشرطة الحدود بعد طابور خفيف، وهنا علي الإشارة للأخلاق العالية التي يتصف بها الشرطة في سلطنة عمان بشكل عام، يتحدثون ويتواصلون باحترافية عالية وإحسان واضح قلّ نظيره في كل الدول التي زرتها، وبما أني قد كنت خارج السلطنة لمدة فاقت ستة أشهر وهي فترة السماح بالبقاء خارج البلد قانونيا، لكن بسبب ظروف الوباء الخاصة تم التغاضي عن هذا الشرط حاليا، وبهذا أتممت الإجراءات ومررت بجهاز سكانير لحقيبة الظهر، بعدها إلى الدرج الآلية التي تؤدي إلى منطقة استلام الأمتعة.
قبل أن أستلم حقيبتي وجهني الموظف إلى آخر القاعة وفيها مكاتب إجراء فحص PCR للتأكد من خلوي من الفيروس، ولأعلق سوارا في معصمي لا أنزعه إلا بعد مضي فترة الحجر المنزلي التي تمتد 14 يوما، لم تكن لي أدنى فكرة عن طريقة الفحص إلا معلومات قليلة وجدتها هنا وهناك من خلال استشارتي لمن مرّ بالتجربة، وعندما حان دوري دخلت إلى إحدى الغرف الصغيرة التي أنجزت لهذا الغرض، سلمت جواز سفري وطلبت مني الممرضة أن ألتفت إلى الأعلى نحو نقطة محددة في الجدار، ثم أدخلت في أنفي عودا يشبه عود القطن الذي تصفى به الأذن، وبألم خفيف أخرجته وأشارت لي أن الفحص تم، والنتيجة ستظهر في هاتفي خلال يوم أو يومين.
بعدها مررت وفق مسار موضح بملصقات توجيهية على الأرض إلى مكتب تسليم السوار الإلكتروني والذي سيكون دليلا على بقائي في الحجر الصحي، إذ يوضح التطبيق أن أي محاولة خروج من الحجر المنزلي قبل انتهاء المدة المطلوبة سيخبر الجهات الأمنية بذلك مما يعرض صاحبها لمتابعات قضائية، ولم أفهم لحد الآن الجدوى من ذلك باعتبار أن من يأتي إلى عمان ويبقى لمدة تقل عن 7 أيام ليس معنيا بالسوار ولا الحجر المنزلي، ويبقى الخبراء أدرى بذلك، فمن حقي التساؤل لكن ليس لدي الحق في الحزم بخطأ الإجراءات، ونحن في كل مرة نكتشف أسرارا جديدة متعلقة بهذا الوباء الغامض.
اتجهت نحو رواق الامتعة الخاص بالرحلة التي جئت فيها، وما هي سوى لحظات حتى لمحت حقيبتي الوحيدة المميزة بلون خاص اخترته كذلك لهذا الغرض، أخذتها ووذهبت نحو بوابة الخروج مرورا بنقطة تفتيش لشرطة المطار، وفي حال انتابهم شك في حقيبة ما، يطلبون من صاحبها الدخول لقاعة وتمريرها في جهاز “سكانير” أو يمر للتفتيش اليدوي، وقد حدث لي ذلك ذات مرة، وأنا أجر عربة فيها حقائب كبيرة، مما أدخلني في ساعة أو أكثر من المفاوضات ليتركوني أمرر حقائبي بما حوته من أغراض أثارت شكوكا عندهم بكونها ليست شخصية وإنما هي موجهة للبيع، والقانون في تلك الحالة يفرض بغض الرسوم والضرائب، ولكن كما أشرت سابقا فطيبة أخلاقهم جعلت الأمور تسير بشكل ودي آمن.
خرجت نحو منطقة استقبال المسافرين ولم أجد فيها من يستقبل أهله أو أصدقاءه على غير العادة، وبعدها اكتشفت أن مبنى المطار في فترة كورونا مغلق إلا للمسافرين وموظفي المطار، بينما غيرهم عليه الانتظار خارج المبنى، وهناك تصطف سيارات الأجرة، وكل من جاء ليصطحب أحد الواصلين، والمميز هو الجو اللطيف، علما أن هذه أفضل الفترات مناخيا في العام حيث تمتد إلى شهر فيفري تقريبا، تقل فيها الرطوبة العالية، ويصبح الجو معتدلا مناسبا.
بهذا انتهت قصة رحلتي الشاقة الطويلة، ودخلت البيت لأبدأ تجربة خاصة وفرصة نادرة انتظرتها من زمان، وهي البقاء لمدة 14 يوم في البيت، قبل أن أنطلق مجددا مع التزاماتي المتراكمة من شهور، والحمد لله على نعمة الإنترنت، التي لولاها لما علمت كيف أجتاز المرحلة دون أن أنقطع عن أعمالي كليا سواء في الجزائر أو في عمان.
يتبع مع آخر حلقة من هذه السلسلة..