تابعت اليوم أصداء الحراك في ذكراه الثانية 2019 -2021 وعشت أجواءه لحظة بلحظة من ديار الغربة، وأنا الذي حضرت وتفاعلت مع أغلب جمعاته في الموسم الأول، أتابع الآن وأنا أحمل بين جنباتي شوقا خفيا، وبصيص أمل رقّ كثيرا ولم ينقطع، أمل بحال أفضل يعيشه ويستحقه أبناء وطني.
تساءلت كأي شاب جزائري ترى كيف يكون الحراك في موسمه الثاني؟ بعد كل محاولات التسلق، والتمييع، والاختراق، والاستغلال والمناورة؟ رأيت حقا كل تلك التفاعلات معه من أقطابه المتنافرة المتداخلة المصالح، ولولا اطلاعي على شيء من هذا الموضوع من خلال الكتب التي قرأتها، وتحليلات العلماء والمفكرين الاجتماعيين لكنت أكثر حيرة وربما وقعت ضحية استغلال سياسي، والكثير تعميهم حماستهم وينجرون خلف الشعارات الرنانة، ولا يستفيقون إلا بعد أن يفوت الأوان، فالسياسة دائما لعبة خبيثة في تصوري، لا مكان فيها للمبادئ، بل هي المصالح فقط.
أقول هذا في الحراك المبارك وقد كتبت عنه الكثير هنا في مدونتي، وفي صفحاتي على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي الجلسات الخاصة والنقاشات العابرة، وفي كل مرة أتعرض للمزيد من الأسئلة الحرجة، والتساؤلات المحرجة، فما قد يتقبله العقل تارة، ينكره القلب، وما يتصوره الذهن يتحفظ منه الحدس، وبين هذا وذاك كان لزاما علي اتخاذ موقفي، لأن الجلوس على الربوة في مثل هذه اللحظات التاريخية تخاذل وخيانة للمبادئ التي نشأت عليها وتبنيتها عن قناعة.
في الحراك رأينا حب الوطن، ورأينا التزلف للأشخاص، رأينا الشوق لواقع أفضل، ورأينا الخنوع والذل والقبول بالأمر الواقع، لم يحدث الكثير مما تخوفنا منه، ولم تتحق الكثير من أمنياتنا، وقراءاتنا، وتعلمنا من وراء ذلك أن عجلة الزمن لا تجامل ولا تحابي، إنما هناك سنن ونواميس، ومن يعيش بالتمني سينصدم ويخيب، وينقلب من حال إلى حال، قد يعين الظالم في ظلمه بالتواطؤ الساذج، وهذا ما تراهن عليه العصب والعصابات المتحكمة.
تابعت الكثير من أصحاب الرأي والمؤثرين في المعارضة والسلطة، وكل يغني على ليلاه، وكل يغرد وفق خلفياته، وكل يدلي برأيه بناء على رأي مموليه، وكل يلقي خطاباته ملونة بمصالحه وما يطمح إليه، فالأطماع غلبت الإخلاص للأسف، والتجييش غلب التوجيه للتفكير السديد، وتبقى في الأخير معركة تدر رحاها بوسائل العصر، رغم أن من يملك الأفكار الأصيلة لازال بعيدا كل البعد عن ذلك المستوى التقني الاحترافي من التعامل مع التقنيات الحديثة.
فضلت شخصيا الهجرة، كما كانت قرار الكثير قبلي، ليأسي من تغيير واقع الحال عن قريب، ولإيماني بتعدد سبل الحياة وخدمة المجتمع وتحقيق الذات، والنفع للوطن، فالعصر عصر التأثير العابر للجدران، وكل يختار جبهة يعمل فيها، ويسهم منها في خدمة نفسه وغيره، ولأن الوطن مختطف، ولأن الحراك مهدد من رواده ومن أعدائه، فأنا متخوف كثيرا مما سيأتي لاحقا فيه وأدعو الله مخلصا ألا تتجسد مخاوفي واقعا، الحراك مهدد إذا لم يستغل تجربته السابقة في تقديم ممثلين حقيقيين من خلال مؤسسات الدولة، والعمل تدريجيا على التغيير الناعم وهذا ما يتطلب وقتا وجهدا وحكمة.
لا يقتصر الحراك في رأيي على الخروج للشارع، بما أن الأصل في الفكرة هي التحرك والحركية لنبذ الظلم وإحلال العدل، بمحاربة العنف والميل للسلم، بتعديل السلوكات المتجذرة وتنقيتها وتأهيلها لتكون أكثر صفاء وإيجابية، فاللهم يسر لوطننا الخير، ووفق كل من يسعى فيه مجتهدا في إعماره وتنميته، ورد كيد الحاقدين والانتهازيين.