يحدث أن تتمنى الحصول على شيء أو أمر ما، تسعى إليه جاهدا، تتحمل في سبيل ذلك الكثير من العنت، تصبر على مشقة الطريق، وتضحي لأجل الهدف مستنزفا كل رصيدك من الأمل والألم، ولكن ما إن تحين لحظة الوصول، وما إن تؤدي المطلوب بشكل شبه كامل، ولا تبقى أمامك سوى عقبة جزئية ضئيلة، تكاد ترى الماء وأنت في أوج العطش، تكاد تلمس الإنجاز وأنت في قمة الشغف، تأتيك الخيبة من حيث لا تدري، تصعقك النتيجة حينها مظلمة سلبية، تنكشف الحقيقة أمامك بأنك فشلت.. نعم فشلت..

هنالك، إما أن تبتسم وتقرر البدء من جديد، أو تذرف دموعا علّك تستوعب بها الموقف، ثم تقرر البدء من جديد، أو تدخل في أزمة نفسية وربما حتى مادية تختلف درجاتها بين العميقة والعابرة، ثم تقرر بعدها البدء من جديد، لا حل أمامك سوى البدء من جديد، فالفرص تنحني حياء، وتتدلى خجلا، وتنساق صاغرة، وتخضع اعترافا، لمن يبذل الجهد، لا يكل ولا يمل من المحاولة تلو المحاولة، ولا عزاء للمنهزمين من أول فشل.

ربما ستصاب ببعض الملل من قراءتك لهذه الكلمات، وربما قد تنتعش من جديد، يعتمد هذا على مزاجك أثناء القراءة، وعلى حالتك الذهنية قبلها بقليل، وكذلك على خلفياتك وخبراتك السابقة في المحاولة والفشل، وبين أن ترى للحياة من منظار الإقبال، وأن تراها بعين مدبرة منسحبة، هناك فروق شاسعة، تؤثر كثيرا في كل قراراتك التي تتخذها، ومساراتك التي تخوضها بإرادة منك، أو تدفعك نحوها الظروف دفعا، وليس الناس في نفس الدرجة من الراحة أو المشقة في مواجهة أيامهم ولياليهم.

ما لم تشعر بلحظات حرجة تعتصرك اعتصارا، وتجتاز أنفاقا مظلمة ترتطم بين سقفها وجدرانها، تهزك في العمق لتستخرج منك حقيقة ردات فعلك، ورؤيتك للأمور من حولك، وميزان حكمك عليها، فأنت لازلت على هامش الحياة، تنتظر لحظة الدخول للميدان، فأنصحك هنا بالبداية في ترويض عضلاتك والقيام بحركات الإحماء الأساسية ليتمرن جسمك، ويتمرس عقلك، ويصبح قلبك جاهزا لما تنتظرك من أدوار ومهام دفاعية أو هجومية تسعى فيها لتحقيق مصالحك، ودرء ما يفسد حياتك وحتى حياة غيرك، هي معركة وليست مجرد لعبة تقرر إنهاءها أو إعادة لعبها من جديد بما يرضيك كل مرة.

عندما تضيق بك الحياة لا ملجأ لك غير الله سبحانه وتعالى، تشتكي له بتذلل، تعلن استسلامك ليمدك بالسند والمدد من حيث لا تدري، يسخر لك أفكارا وأشخاصا يمدون إليك أيديهم، ينصتون لك، يرسمون البسمة في وجهك بعد أن فقدتها، يفعلون ذلك بحب وإخلاص، لا يهنأ لهم بال ما لم تتحسن وتنطلق في رحلة الحياة من جديد، هؤلاء نعمة تمسّك بهم، ومنحة حافظ عليها، ومنّة اعتن بها، وحظوة فقدها الكثير غيرك، ومن رزق الإيمان فقد رزق كل شيء، ومن عاش لذة اليقين هانت أمامه كل الآلام.

الحياة بالمعنى تملأ الفؤاد كلما شعرنا بفراغه، وتصحح المسار كلما انحرفنا أو كدنا، وتمنح الرضا مهما حدث، تمدّنا بالطاقة التي نحتاجها للتجاوز والتحمّل، تغطي فجواتنا النفسية، وتسد فراغاتنا الروحية، وهكذا الإنسان في حياته بين متعة ومعاناة، فرحة وحزن، إقبال وإدبار، اندفاع وانسحاب، انتعاش وانكماش، استقرار واهتزاز، نسأل الله الحكمة في حينها، والصبر في أوانه، والفرج عند الحاجة إليه، واليسر عند العسر، والرحمة والمغفرة والرضوان في الدنيا والآخرة.