ما حدث اليوم أمام مقر الولاية في غرداية مؤسف محزن ومخجل جدا لكل من يعتبر نفسه إنسانا مسؤولا عاقلا. أن يصل شخص في مجتمع نشأ على الذاتية في شؤون حياته، إلى الوقوف في الشارع احتجاجا على أبسط حقوقه، متوسّلا من عيّنوا أو انتُخبوا ليخدموه كما قيل له. فهذا مؤشر على أن الأمور بلغت مبلغا خطيرا، والأخطر من كل ذلك أن تكون الفئة من الطفولة، والمخزي أكثر أن تكون فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
عذرا أيتها البراءة، ما كان ينبغي أن تصلوا لتلك الدرجة من الإهانة والمهانة وأنتم تفتقدون لأبسط حقوقكم المدنية والشرعية والاجتماعية والإنسانية. لكن ما عسانا نفعل والواقع الذي نعيشه ظالم منافق لأبعد الحدود، واقع تغطي عيوبه الشعارات، ويمثل فيه التدين واجهة براقة بخلفية كئية، مقتصر على ديباجة دستور تمت خياطته واعتماده أمس فقط، وخلال أيام الاحتفال بمولد خير البرية وتجييش الجماهير لمقاطعة السلع الفرنسية غيرة على الدين وعلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
لا أحب هذا النوع من المقارنات، لكن تصور للحظة أنك تعيش في دولة من إحدى الدول “الكافرة” أو “العلمانية” حسب الوصف المألوف المتوارث، ولك أن تسأل وتبحث عن حقوق تلك الفئة والامتيازات والتسهيلات التي تمنح لهم من باب الواجب دون من ولا مزية، وفي دولة الإمارات يسمّون بذوي الهمم والعزائم، فضلا عن ذوي الاحتياجات الخاصة وهي أفضل في رأيي من المعاقين، وتمنح لهم الأولوية في كل شيء، إلا أننا لازلنا لم نصل لمرحلة تكريم الإنسان وفي ديننا كل ما يوجه ويرشد لذلك.
لو كنت مفتيا لأفتيت بحرمة وضع دينار واحد في قطعة حجر أو إسمنت قبل الاهتمام بهذه الفئات وغيرها من الفئات الاجتماعية الهشة الضعيفة في غياب العدالة الاجتماعية وتغول منطق الغاب. ولعل أسوأ ما يمكن الوقوف عليه في مثل هذا الملف الشائك الذي استنفذ فيه القائمون عليه مشكورون كل الطرق القانونية وإجراءات المراسلات والمناشدات لمختلف المسؤولين، هو الاستغلال السياسي وحتى سوء التفاهم الشخصي الذي يحدث في مستويات معينة راح ضحيته الأطفال وأوليائهم ودفعوا ثمن التعنت والتسلط غاليا.
لا أتفق مع من أنكر على إدارة جمعية البراءة والأولياء الزج بأبنائهم بمختلف الاحتياجات الخاصة في الوقفة الاحتجاجية، وأراه نوعا من التعالي والتدخل السلبي في الموضوع بدل التفاعل إيجابيا ولو بكلمة طيبة، فهم لم يكونوا ليصلوا لتلك الدرجة من التنازلات لولا صبرهم الطويل، واستنفاذهم لكل الحلول العادية والممكنة، ليطالبوا فقط بشيء من التجهيزات والإعانات ليعودوا إلى مؤسستهم التربوية التي تعتبر عندهم المتنفس الوحيد.
وبالمناسبة أتقدم بالشكر الجزيل لكل أم وأب رزقوا بابن أو ابنة من ذوي الهمم، وقد اعتبروا ذلك بابا من أبوات الجهاد والاحتساب. ولعل أكثر جملة تأثرت بها، هي تلك التي أخبرني بها صديق ظننته ابتلي بذلك، إلا أنه قال لي: شعرت وزوجتي بإنسانيتنا وولدنا من جديد مع هذا الابن، رغم أنه قد سبق بأبناء أصحاء، فسبحان من خلق الإنسان وخلق فيه عاطفة الأمومة والأبوة.
المؤكد كذلك وجود مبادرات وجمعيات وجهود حثيثة في نفس السياق في البلدة، وفي الجزائر ككل، لمختلف فئات ذوي الهمم وأصنافهم ودرجات حاجاتهم، وهي تعاني التهميش كذلك وتعامل بدرجة ثانية أو ثالثة، وهذا ما يتضح لي في كل مرة أقوم بزيارتهم، أو أحظى بدعوات كريمة منهم، أو عندما ترأف بهم وسائل الإعلام أحيانا في إحدى تقاريرها بشكل محتشم يدعو للشفقة، أما الحديث منحة العار التي تصرف لهم، وعن تسخير المرافق العمومية لتتوافق معهم كمسالك خاصة بهم، أو إشارات وتوجيهات، فهذا ما لا نراه إلا في الأفلام أو الأسفار، حقا نحن بعيدون جدا عن واقعهم، ومقصرون كثيرا في حقهم.
لم أكن أريد كتابة كل هذا، لكل فعلا صدمت وما حيلتي عندما تكون الصدمة إنسانية، وما يحس بالجمرة غير اللي كواتو!