قبل حوالي خمس سنوات وبالضبط عام 2016 وجدت نفسي ومن خلال شركتنا العائلية أكثر استعداد لطرق أبواب التصدير وقد بلغنا حينها عامنا العاشر مع جملة من المشاريع الناجحة وتجارب أخرى فاشلة لم نوفق فيها، ونحن كعادتنا نرغب في التقدم خطوات أكثر جرأة وشجاعة نحو الأمام، بعد سنوات من الاستيراد والعمل في التجارة الدولية من زاوية الاستهلاك خاصة وأننا قد كنا في مناخ أعمال يرتكز على الاستيراد وجلب أي منتج يطلبه السوق، بينما يشهد أي تفكير في التصدير نوعا من المقاومة والاستغراب وحتى التردد بداية، وتحت كل تلك الأجواء ولد مشروع Lc Business.
تيسرت الظروف حينها، بما توفر عندنا من موارد بشرية ومالية، وجملة من المحفزات لنبدأ رحلة شاقة تتطلب طول نفس من النوع الأصيل، حاولنا بما أوتينا أن نسد الفجوات ونغطي النقائص التي تعترضنا في السوق من شح للمعلومات وتضاربها بين مختلف المصالح الإدارية، كوزارة التجارة، والوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية Algex، وغرفة التجارة والصناعة لولاية الجزائر “مزغنة”، وكذا الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة Caci، والجمارك الجزائرية، والشركة الجزائرية للمعارض والصادرات Safex، وشركات الشحن البري والجوي، ومصالح منطقة الشحن بمطار الجزائر Swissport، وهم مشكورون جميعا كجهود فردية، وتوفرها على إطارات جزائرية واعدة تحاول قدر الإمكان أن تتقن عملها وتيسر العمليات، في جو موبوء رديء جدا، وفي ظل وجود بعض الأفاعي البشرية، والانتهازيين، ومن ترك كل مهامه جانبا وصار دوره الأول هو الابتزاز.
لا يخفى على أي ممارس في الميدان وجود نية حسنة، وجهود في مستوى معين لتشجيع فتح المجال للمصدرين الخواص، بتنظيم تكوينات ومؤتمرات، وحتى بعض المشاركات في المعارض الدولية التي غالبا ما اتسمت بالانتقائية والغموض في التسجيلات، دون تعميم طبعا، لكن المفارقة الواضحة التي يدركها كل من اقترب من هذا الميدان هي غلق المجال في الوجهات الواعدة المغرية، بينما يكون التعامل مع الوجهات الضعيفة كدول إفريقية ناشئة تفتقر للفرص بنوع من الشفافية وحتى الدفع إلى ملء القائمة فقط لحفظ ماء وجه الجزائر للمشاركة بغرض المشاركة ولا أثر فيها لأي جدوى تجارية، مما يكبد المصدرين كل مرة خسارة تلو الأخرى، ولعل أكثر الطرائف المضحكة المبكية هي وصول العارضين وبداية المعرض الذي يمتد لثلاثة أيام فقط، دون وصول المنتجات لأصحابها، مما يجعلهم كل مرة في حرج الجلوس في أجنحة فارغة إلا من تلك العينات التي جلبوها بصعوبة بالغة في حقائهم الخاصة.
رغم كل ذلك، كنا اتخذنا قرارنا بناء على توصيات مجربين استشرناهم، وعلى تجارب مشابهة مررنا بها، قررنا أن نرسم مسارنا بأيدينا ونحفر طريقنا بإمكانياتنا الخاصة دون أن نغفل الاستفادة من مزايا الدولة التي تمنح لنا إن وجدت دون أن تكون تكلفتها أعلى مما ينتظر منها وقتا وجهدا ومالا، وهذا ما كلفنا غاليا مع مرور الوقت والعمل بذهنية الاستثمار والبذر والسقاية وعدم استعجال النتائج لأنها ستأتي لاحقا، وهو منهج مرهق ماديا ونفسيا، ونحن كفريق عمل في كل مرة نجدد العزم ونتعاهد على الصبر والاستمرار تحت شعار “القادم أفضل”، وشيئا فشيئا بدأت بعض العمليات التي تحفزنا تارة، وتخيب أملنا تارة أخرى، وبين زبائن أوفياء تعاملنا معا باحترافية وتجاوزنا أخطاءنا معا متفهمين ظروف البيئة المهنية التي نعمل فيها، وبين زبائن اتخذونا كجسور وتعاملوا بنوع من قلة المهنية مقابل ثقة زائدة منحناها لهم، وكل ذلك بررناه وأقنعنا أنفسنا حينها بنقص الخبرة.
من بين المقاربات التي ارتحنا إليها حينها هي التعلم والتكون بالممارسة والتجربة الميدانية، فسافرنا لدول مختلفة بمواردنا الخاصة بحثا عن شركاء وفرص تصدير، وفي كل مرة نصطدم بحواجز تقنية متعلقة بالمجال، وأخرى أكثر تأثيرا هي الحواجز السياسية والمتعلقة بصورة الجزائر الغامضة وحتى المجهولة في الخارج، حتى عبّر لي يوما أحد التجار الكبار في إحدى المعارض واصفا الوضع بكوننا “يتامى نتسول الناس ليشتروا بضائعنا”، ومن يعمل في التجارة يفهم جيدا معنى أن تكون في موقف ضعف وأنت تبيع أو تشتري، لذلك فملف التصدير ليس بيد التاجر والمصنّع الجزائري فقط، بل الأمر يتعدى ذلك للإرادة السياسية وتفعيل دور السفارات في مختلف الدول لتسويق صورة البلد هناك والقيام بافتكاك التسهيلات وكل الظروف التي تيسر انسياب السلع الجزائرية لأسواقها دون أن تشعر بالغربة والإلحاح وحتى الابتزاز من المستوردين والتجار الانتهازيين هناك خاصة في مرحلة دفع المستحقات المادية.
هناك عدة روايات وأوهام تسوق من خلال الإعلام والصحافة الصفراء عن المنتجات الجزائرية في السوق العالمية، ونشاط المصدرين، سواء ما كان منها نافخا ومادحا بشكل لا يمت للواقع بصلة من باب بيع الوهم، أو ما كان احتقارا وإهانة وتعميقا للأزمة وتنفيرا من المجال، مع استثناءات مشرفة دون تعميم، إلا أن الممارسين في الميدان حقا يدركون جيدا أن الواقع غير ذلك تماما، من هنا نعترف أننا عندما نختار العمل في مجال التصدير من الجزائر نحو الوجهات العالمية المنتجة أو المستهلكة ففي ذلك نسبة كبيرة من العمل على رفع العلم عاليا وتشريف الوطن، بينما تجاريا وحسابيا نجد أمامنا فرصا أكبر وأكثر جدوى سواء في مجالات أخرى داخل الجزائر ولو كانت تستنزف العملة وتهدد قيما اجتماعية، أو حتى خارج الجزائر باتخاذ قرارات العمل في التجارة الدولية من دول إلى أخرى دون إدخال الجزائر كطرف نهائيا، وهو في الحقيقة اختيار قامت به الكثير من الكفاءات الجزائرية وهي تبدع وتتألق من يوم لآخر بعدما سدت أمامها كل السبل والحلول.
سأحاول من خلال هذه السلسلة أن أفصل أكثر في الأسباب المباشرة وغير المباشرة فيما يتعلق بالنجاح في ميدان التصدير، ونحن نتحدى ونجتهد ولم نستسلم ونرفع الراية البيضاء لحد الآن، وكل ما أكتبه هنا أهدف من خلاله إلى إفادتك وإنارة الطريق أمامك لتتفادى السقوط في كل حفرة سقطنا فيها، ومن أهدى لك تجربته فقد وفّر عليك الكثير مما قد تدفعه من مالك وجهدك ومزاجك، سأكتفي بهذا القدر هذه المرة، ولازال الكثير مما يمكن كتابته لاحقا..
يتبع في الحلقة القادمة..
Comments (3)
بارك الله فيك وفي مجهودكم وزادكم نجاحا وازدهارا
[…] بداية هذه الحلقة أحاول بداية شكرا كل من اهتم وتفاعل مع الموضوع وتواصل معي مستفسرا ومثريا وملاحظا، وإذ أحاول ما […]
[…] تجربتي مع حلم التصدير في الجزائر (1) […]