المتابع لعالم كرة القدم وخباياها، والمشاهد لمبارياتها، يدرك جيدا تلك المتلازمة التي تصيب اللاعبين وحتى المدربين عندما تخذلهم أقدامهم، ولا يجدون ما يمكن أن يقدموا لأنصارهم من المتعة والأهداف، تجدهم يطلقون العنان لألسنتهم، ويدخلون في موجة هستيرية من الصراخ والاحتجاج على الحكم، تستفزهم أبسط الإشارات من الخصم، وتستثيرهم حتى هتافات الجمهور.
يعتبر ذلك خروجا ذهنيا من المباراة، يضيعون أبسط الثنائيات، وبالتالي يخفقون في بناء الهجمات، ولا يسجلون الأهداف، يفقدون فرصة الفوز، ويفسدون المتعة، بعد أن يفقدوها، وهو ما يعمل عليه المدربون كتكتيك خاص في نوع من المباريات أو جزء منها، حينما يركزون على اكتشاف نقطة ضعف المنافس ثم يستثيرونها سواء بأحد لاعبيه أو أكثر، لإخراجهم من المباراة وإفقادهم التركيز، مما يجعلهم أقرب ما يكونون لارتكاب الأخطاء، والحصول على البطاقات الصفراء ولم لا الحمراء.
هذا ما يحدث في بيئة العمل بالضبط، وهذا ما يتصرف به الإنسان في حياته الاجتماعية تماما، وهذا ما يسقط فيه أمهر الناس وأكثرهم كفاءة ومهارة، عندما تخذلهم الحجة، ويفقدون التوازن، وشيئا من القدرة على تسيير واقعهم، وإدارة التزاماتهم، وهذا ما يفضح تلك الكفاءة المكتسبة ويختبرها لنكتشف أنها مجرد مهارة بنيت على أسس هشة في لحظات السلم والظروف الخصبة الهادئة، أو مجرد ادّعاء وهمي تشكل في لحظة ما وفق ظروف ما.
العمل في الظروف الصعبة، وتحمّل الضغوط والتجاذبات، مع الحفاظ على التركيز والأداء المطلوب، مهارة خاصة يصل الإنسان إلى تمرّسها بالمرور على الكثير من الاختبارات النفسية والذهنية في حياته، ومن كانت نقطة ضعفه الاستفزاز لا يمكن الاعتماد عليه في المهمات المصيرية، والمناصب الاجتماعية أو المهنية الحساسة التي تتطلب نفَسا طويلا، وحِلما نادرا، ومعدنا خالصا صلبا.
التعامل مع الاستفزاز في التدافع الاجتماعي يتطلب رصيدا كبيرا من الصبر، خاصة حينما ندرك أن الخصم يفعل ذلك إفلاسا، كأخر فرصة قبل الأفول والغرق وإعلان الاستسلام، وهنا يفضل التجاهل، والتركيز على الفكرة الأساسية، والهدف الأسمى، والابتعاد عن الجدال العقيم، وإن كان ولابد فبفرز ما لا فائدة منه، والتغاضي عن أي معلومة أو سؤال أو اتهام أو قذف خارج الموضوع، ولم ولا يسلم المخلصون العاملون يوما من ذلك.
ليس علينا أن نعتبر الحياة حلما جميلا، وحديقة غنّاء خضراء ترفرف فيها الفراشات وتنفتح الأزهار في ألوان بديعة، تحت أصوات خرير المياه العذبة، وزقزقة العصافير، وزرقة ناصعة للسماء، بل هي الخريف في بعضها، والشتاء في أجزاء منها، والصيف في جانب منها، وفيها من الربيع ما فيها.