قبل أسبوعين من اليوم، كنت أتوق للقاء أحبابي بمناسبة إجازة الشتاء، رسمت واخترت برامج في أجندتي، علّقت آمالا عليها.. تطلّعت للراحة والاستراحة، طلبا للمزيد من المتعة، وبعدا عن ألم الغربة وضغوط العمل والتزامات الحياة الصاخبة الشاقة في العاصمة بزحمة المرور، والأسفار المتتالية، والاجتماعات المطولة، والتعامل مع الطوارئ والاستعجالات التي تصبغ المشهد العام ليوميات العمل.

مرت الأيام سريعة ثرية بين تكوين، وفعاليات ثقافية ومعرفية، لقاءات ودية ثنائية وجماعية مع الأحباب والأقارب وأصدقاء الدراسة، وفرصة لعلاقات جديدة، في السيارة، قرب الدراجة، تحت عمود الإنارة، أمام المسجد، على هامش ولائم الأعراس والأفراح، القليل منها مبرمج مخطط والكثير جاء عفويا رائعا.

كل يوم قد حمل نكهة خاصة، وأفصح عن مفاجآت لطيفة، كان الأمر أشبه بدوامة هادفة متسارعة، وموجة عاتية ترفعني وتدفعني غير آبهة بشيء، حالت دون لقاء الكثير ممن تمنيت الجلوس إليهم، وفرضت عليّ الاعتذار تلو الاعتذار عن مواعيد عديدة، وما باليد حيلة حينما ندع الأمور لطبيعتها، ابتعادا متعمدا عن النمطية في وضع البرنامج اليومي، تحت شعار: دعها فإنها مأمورة.

كدت أألف الجو، وأستأنس المكان، حتى نسيت لوهلة أنها مجرد إجازة قصيرة، طويت الأيام وحان وقت الرحيل، رحيل كالفطام ترك خلفه ألما وحزنا، عزائي فيه دعوات خالصة من جدتي ووالديّ وأحبابي، وعودة قريبة إن شاء الله.

ما أجمل أيام “أغلان” بساكنيه ووافديه وضيوفه، ما أجملها ببرامجها المكثفة الثرية، ثراء ينبئ بحاضر جميل وغد مشرق، يمسح عنا شيئا من الكآبة التي تسِم الوطن، ويضفي على الواقع بقعة من الجمال في لوحته القاتمة الحزينة.

اللهم عرفنا قدر النعم بدوامها.. ولا تعرفنا قدر النعم بزوالها ياارب