بينما نحن في راحة من أمرنا وظروفنا، وقد أخذتنا تلك الدعة التي تزورنا من حين لآخر حتى نكاد ننسى أنفسنا في حالة من الأنس والنعم المحيطة بنا، يأتينا من يستفز عقولنا بأسئلة وجودية، أو إشكالات إنسانية، وما أجمله من استفزاز، وكأنهم يخبروننا أن الحياة ميدان جهاد وحركية وتدافع، لا مجال فيها للاستكانة والركون والركود.

من الناس من يتصور السعادة هدفا يبلغه، ويظن راحة البال مرتبة يصل إليها، تجدهم يتنافسون ويتكالبون ويتصارعون دون نتيجة، جهدهم ضائع لا متعة فيه ولا معنى، ومصيرهم مؤسف لا أمل فيه ولا فرج، بينما لو اعتقدوا أن السعادة والسلام الداخلي منهج حياة، نستحضرهما في كل فعل نقوم به ومسار نتخذه، نمسك بزمام بعضهما ونفلت زوايا أخرى فيهما، ومن أرادها جميعا فقدها ولم ينل شيئا.

من ضعف الإنسان أنه عاطفي في مواقف العقل والمنطق، وعقلاني في مواقف التفهم والتعاطف، وهذا الخلل فيه يؤدي به كثيرا لسوء التقدير، مثل أن يتوسّل ويطلب العون والسند في حالة ضعف وتعب نفسي فيه، بينما ينأى بنفسه بعيدا عندما تدور دائرة الحياة، ولا يستفيق من نشوته تلك إلا عندما يسقط ثانية، أو يستعيد فطرته وعقله ونقاء قلبه في لحظة حوار أو نقاش مع من يستفز فيه قناعاته.

نحتاج في حياتنا كثيرا لمن يستفز عقولنا لنفكر، لمن يستفز فكرنا لنحلل، لمن يستفز قلوبنا لننفض عنها غبار الثقة المفرطة، لمن يستفز خياراتنا لنراجعها، لمن يستفز قراراتنا لنعيد النظر فيها..نحتاج لذك بشدة، ولا خير فيمن أبدى حبا لنا ولم ينصحنا، ولا فضل لمن أظهر اهتماما بنا ولم يرشدنا ويوجهنا..

شكرا لكل مستفز سواء كان ذلك عن قصد منه أو ممن جاء في سياق حوار أو موقف.. رغم أن ردة الفعل منا قد تكون مقاومة منفعلة، إلا أننا بعد ذلك نكتشف حاجتنا لتلك القرصة.. تلك الصدمة.. وحينها يزداد شكرنا أكثر وأكثر..