كنت من أوائل الواصلين إلى الطائرة، أو ظننت ذلك لما رأيت المقاعد شبه فارغة، سواء درجة الأعمال والدرجة الأولى، ثم مرورا بالغرفة الأولى للدرجة الاقتصادية، ثم الثانية وهناك وجدت مكاني وفق ما هو مسجل في بطاقة الركوب، كانت الطائرة فخمة جدا ذات تسعة كراسي في كل صف (3 و3 و3)، ومن الواضح أنها من آخر جيل للطائرات من شركة بوينغ الأمريكية ضمن فئة Dreamliner الحديثة، وقد مررت في طريقي بأكثر من شخص ضمن طاقم الطائرة، مع ابتسامة وترحيب معهود منهم، على إيقاع الموسيقى الهادئة المميزة التي تضفي للمسافر جوا من الاسترخاء والرفاهية.

ما إن وصلت إلى مقعدي حتى وجد فيه حقيبة صغيرة بتصميم أنيق مكتوب فيها “Travel With Confidence” وهي عبارة تشعرك بنوع من الاطمئنان لما يستقبل في الرحلة مع ذلك الجو المشحون من الإجراءات الصحية الصارمة التزاما بلوائح شركات الطيران، هي حقيبة تحوي كمامة وجه، وقفاز، وكيس مطهر كحولي صغير، كلفتة تسويقية ذكية من الشركة، وما إن جلست في مقعدي حتى جاءت إحدى المضيفات تسألني عن رأيي وهل كل شيء على ما يرام، ولم يسعني حينها إلا أن قلت لها أن كل شيء تمام.

لم يمض وقت طويل حتى بدأت إعلانات الطائرة واحدة تلو أخرى كإعلان إجراءات السلامة الذي تبدع فيه كل شركة على طريقتها بعدما كان الأمر يتم بشكل يدوي من طاقم الضيافة فيما سبق، فقد أصبحت الومضة الإعلانية فرصة لعرض الشراكات التي تكون مع المشاهير أو فرق كرة القدم العالمية، والتي يمثل فيها اللاعبون كل أدوار إجراءات السلامة بشيء من الطرفة والكوميديا، وذلك يزيد من الاهتمام بمشاهدتها والاستفادة من محتواها فضلا عن المتعة التي تميزها، لأنها فعلا هي صارت روتينا مملا خصوصا عندما تنتهي الومضة باللغة العربية لتبدأ من جديد باللغة الإنجليزية أو اللغة المحلية لشركة الطيران أو حتى البلد الوجهة.

التفت حولي ولم أجد الكثير من المسافرين، الطائرة فارغة بشكل رهيب، وربما لا يتجاوز العدد 10 إلى 15% من قدرتها الاستيعابية، وهنا تساءلت مباشرة بلغة البيزنس عن الجدوى التجارية من هذه الرحلات، ولكن من جهة ثانية سررت لذلك عندما اكتشفت أنه بإمكاني استغلال الكراسي الثلاثة للنوم بشكل مريح، وهو ما توفر لي بعدما استوت الطائرة في الجو، وتناول وجبة الطعام الشهية بالإبداع المألوف في شركة القطرية، خاصة وقد نال مني الجوع، ولم أحظ بوجبة كاملة منذ حوالي 24 تقريبا، ولكن قبل أن يبدأ طاقم الطائرة بتوزيع الوجبة، جاءت إلي مضيفة وهي تحمل لوحة إلكترونية في يدها، وما إن وصلت إلي حتى حاولت قراءة اسمي وهي تتأكد معي أنني أنا من تقصده، ولما أجبتها بأني المعني، حتى رحبت بي باسم الشركة، وعرضت علي قائمة الطعام والمشروبات والوجبات الرئيسة التي تتوفر عليها الرحلة وتركت لي الاختيار بين اللحم أو الدجاج، طالبة مني الاتصال بها كلما احتجت شيئا، وهي خدمة تقدم في الطائرات لفئات معينة من الزبائن المسجلين في نادي الامتياز Privilege Club.

أثناء تناول الوجبة أخذت أتصفح البرنامج الترفيهي الذي توفره شركة Oryx One في شاشات اللمس الموجودة أمام كل كرسي، وفي كل مرة أكتشف تحديثات جديدة في الشكل والمضمون، ومن بين الأشياء الجملية التي اكتشفتها عندما كانت الطائرة في أرضية المطار، هي إتاحة كاميرات متعددة لمشاهدة حية مباشرة للطائرة من أول الرحلة إلى نهايتها، إحداها مثبت فوق الطائرة مما يتيح مشاهدة رائعة خصوصا عندما تحلق في السماء، والأخرى تحتها من المقدمة توفر مشاهدة لحظات نزول الطائرة في آخر الرحلة، ولا أدري أين سنصل مستقبلا بمثل هذه التحديثات التقنية الدقيقة التي تهتم بالتفاصيل وتزيد من متعة السفر، وتخفف من مشقته وتعبه.

حظيت بعدها بنوم مريح لحوالي 4 ساعات، وأنا ملتف بغطاء ليرد عني برد المكيف، مستغنيا عن خدمة توزيع القهوة والشاي فالنوم حينها كان يشكل أولوية لا تفاوض فيها، وما إن استيقظت حتى حاولت ثانية الاتصال بالإنترنت، لكن يبدو أنه كان هناك خلل تقني ما، بعدها قمت بتصفح الخريطة التفاعلية لأجد أننا قطعنا شوطا طويلا من الرحلة، اخترت أخذ جولة في الطائرة والجو هادئ بإضاءة خافتة إلا من بعض الشاشات المضيئة يتفرج فيها أصحابها ما يحلو لهم مما يتوفر من برامج وأفلام ومسلسلات وحتى مواد سمعية متنوعة، وبرامج أطفال وإن كانوا غائبين تماما في هذه الرحلة لأسباب تتعلق بكورونا أساسا، إذ لم يعد السفر للترفيه والسياحة إلا نادرا، وإنما يسافر أغلب الناس في هذه الفترة مضطرين كما حدث معي.

أعلن قائد الطائرة قرب موعد الهبوط، مما يتطلب ذلك بعض الإجراءات التنظيمية كتخفيف الإضاءة وفتح النوافذ وإعادة ظهر الكرسي لشكله الطبيعي مع جمع كل المخلفات التي قد بقيت لدى المسافرين كالأكواب والمناديل، وهنا بدأت أشاهد من النافذة المناظر الطبيعية من الأعلى، إلى أن ظهرت الدوحة بملاعب كأس العالم التي تم إنجازها أو ما كان منها قيد الإنجاز، وكذا الجزر الاصطناعية التي يقومون بتشييدها، ثم جزيرة اللؤلؤة الأنيقة، ولم يهنأ العقل حينها من عقد المقارنات التي حاولت جاهدا تعطيل التفكير فيها ورمي كل ما يجذبها بعيدا، الوقت غير مناسب لذلك مطلقا.

ما إن حان وقت الهبوط حتى قمت بتفعيل الكاميرا ومشاهدة لحظة التحام العجلات الأمامية بمدرج المطار، وقد سبقتها في ذلك العجلات الخلفية، تسير الطائرة نحو وجهتها النهائية لتصل أمام نفق يؤدي إلى قاعة الواصلين، وفي الطريق كنت أشاهد من النافذة الطائرات من مختلف الشركات والأحجام، وهي مصطفة في نظام دقيق، سواء قد نزلت لتوها، أو هي في حالة تأهب للتحليق في الجو نحو وجهة جديدة، ولازال المطار يلهمني بتفاصيله كلما حظيت بزيارة إليه..

يتبع في الحلقة القادمة..