نشرت قبل أيام في “ستوري” صفحتي على فيسبوك صورة عن واحة غناء، وراسلني على إثرها الكثير يتساءلون عن مكانها، وهل عدت إلى “أغلان”؟ (مدينتي تغردايت في الجزائر) نسأل الله أن يفتح الحدود ويرفع الوباء ويجمعنا بأحبابنا في ساعة الخير.

في حقيقة الأمر كانت نزهة عائلية إلى منطقة سياحية عريقة في سلطنة عمان تسمى “مسفاة العبريين” كنت قد سمعت عنها الكثير، ونصحني بها من سبق، حتى برمجت زيارة لها نهاية الأسبوع، لنخرج عن روتين الحجر الصحي وإجراءات الحظر التي عادت مؤخرا لمواجهة تداعيات وباء كورونا، والحمد لله أن قمنا باختيار تلك الوجهة الرائعة، وفعلا كان الرضا والارتياح واضحا على محيا أبنائي وزوجتي.

مسفاة العبريين، منطقة سكنية عريقة يقطنها أقل من 1000 نسمة، تقع في محافظة الداخلية، ولاية الحمراء، وتبعد عن مسقط حوالي 200كم، ما إن وصلت حتى استعدت إحداثيات ونسمات واحاتنا ومزارعنا، المنظر نفسه، والرائحة نفسها، زقزقة العصافير وأصوات المواشي نفسها، حركة المياه وخريرها نفسها، مرور شاب عبر الممرات الترابية الضيقة وهو يركب حماره، كل لحظة هناك كانت توحي بسفر عبر الزمان والمكان.

حتى الجو اعتدل بعدما كان حارا طيلة الطريق، واختفت تقريبا كل مظاهر كورونا، وما يتعلق بها من إجراءات مقيدة مزعجة، ولكن المفاجأة كانت في ضرورة توفر الزائر على لياقة بدنية عالية ليتمكن من التجول بين أشجارها ونخيلها، والسير في دروبها الضيقة الجميلة، والتأمل في نظام تقسيم المياه وجريانها في الأفلاج، لا لشيء سوى لكون المنطقة تقع بين الجبال، والسكان الأوائل قد أبدعوا فيها بما بنوا وزرعوا وغرسوا بكل إتقان وتفان، من النخيل وأشجار الموز والرمان، ومختلف النباتات.

تتوفر المنطقة على فندق تقليدي جميل، التقينا فيه بعض السياح من غير العرب، ممن يفضل قضاء أيام هناك وتجربة العيش في قرية عريقة تحكي كل زاوية منها عبرا وذكريات من مروا بها، رغم الأسعار المرتفعة لليلة الواحدة، إلا أني أبرر لهم ذلك بقانون العرض والطلب، ومن يحسن خدمة تراثه والعناية بتاريخه سيستفيد كثيرا ويربح من وراء ذلك، والهوية والتاريخ استثمار حقيقي لو أدركنا ذلك حقا.

التعليقات على المنشور جاءت غالبيتها في اتجاه المقارنة مع واحاتنا في الجزائر مثل “بوشمجان” و “يحي فرطاس”، وهذا معقول جدا لم تخل منه جولتي وحواراتي مع زوجتي وبنتاي، وكلنا يعلم تلك القيمة التي تكتسبها الجنان والبساتين في يومياتنا، وما لها من آثار إيجابية نفسية على الإنسان، هي مطمح كل شخص في آمال حياته بامتلاك جنة مثلها، وآيات كثيرة في القرآن الكريم تربط النعيم ومتعة الحياة الدنيا بهذا الأمر، وحتى الجنة جاء وصفها في نفس السياق.

مهما سافر الإنسان، وزار أفخم الفنادق وسكن أرقى الفيلات، وانبهر بأجمل المراكز التجارية والإبداعات الهندسية، إلا أن الميل للعودة إلى الطبيعة فطرة لا يمكن تجاوزها ولا إنكارها، نسأل الله أن يرزقنا ويسخر لنا فضاءات نقية نأنس بها مع أسرنا وأحبابنا، ونبذلها في سبيل الله، ليتمتع بها كل من يهوى حياة البساتين والمزارع والجنان.